كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


أخرج أبو بكر ابن السراج أن إبراهيم الخليل شكى إلى ربه سوء خلق سارة فأوحى الله إليه‏:‏ إنما هي من ضلع فارفق بها أما ترضى أن تكون نصيبك من المكروه‏؟‏‏.‏

وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال‏:‏

هي الضلع العوجاء لست تقيمها * ألا إن تقويم الضلوع انكسارها

تجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى * أليس عجباً ضعفها واقتدارها

وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال‏.‏

- ‏(‏ق عن أبي هريرة‏)‏ ورواه النسائي أيضاً‏.‏

1013- ‏(‏استووا‏)‏ أي اعتدلوا في الصلاة بأن تقوموا على سمت واحد لأن التسوية للصفوف من شأن الملائكة، ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش خشوعهم كما أشار إليه بقوله ‏(‏ولا تختلفوا‏)‏ أي لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف ‏(‏فتختلف قلوبكم‏)‏ وفي رواية صدوركم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وقوله فتختلف بالنصب من قبيل لا تدن من الأسد ‏[‏ص 504‏]‏ فيأكلك، وفيه أن القلب تابع للأعضاء فإن اختلفت اختلف وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء لأنه رئيسها ‏(‏وليليني منكم‏)‏ أي ليقرب مني‏:‏ من ولي إذا قرب، والولي القرب والدنو، وقوله ليليني بكسر اللامين وياء مفتوحة بعد اللام وشدة النون، وبحذف الياء وخفة النون‏:‏ روايتان ذكرهما النووي في عدة كتب، وغيره، وبه رد قول الطيبي‏:‏ وحق هذا اللفظ أن تحذف منه الياء لأنه صيغة أمر، وقد ورد بإثباتها وسكونها في سائر الكتب والظاهر أنه غلط ‏(‏أولو الأحلام‏)‏ أ ذوو التثبت ‏(‏والنهى‏)‏ جمع نهية بالضم وهي العقل، ذكره في المجموع، وفي شرح مسلم النهى العقول، وأولو الأحلام العقلاء، وقيل البالغون، وفي الرياض‏:‏ أهل الفضل‏.‏ فعلى الأول يكون اللفظان بمعنى، ولاختلاف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيداً‏.‏ وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء وعلى الثالث البالغون ‏(‏ثم الذين يلونهم‏)‏ أي يقربون منهم في ذلك الوصف كالصبيان المراهقين ثم المميزين ‏(‏ثم الذين يلونهم‏)‏ كالخناثي ثم النساء، فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق، وزاد في رواية بعد ما ذكر‏:‏ وإياكم وهيشات الأسواق‏:‏ أي احذروا أن يكون حالكم وصفتكم كهيشات الأسواق أي مختلطاتها وجماعتها من الهيش وهو الخلط وفيه أنه يندب تقديم الرجال لفضلهم وشرفهم وليحفظوا صلاته إن نسيها فيجبرها أو يجعل أحدهم خليفة إن احتيج إليه ثم الصبيان لأنهم من جنسهم ثم الخناثى لاحتمال ذكورتهم وهذا كله مستحب لا شرط فلو خالفوا صحت صلاتهم مع الكراهة‏.‏

- ‏(‏حم م ن عن أبي مسعود‏)‏ عقبة بن عمرو البدري الأنصاري‏.‏

1014- ‏(‏استوا‏)‏ ندباً مؤكداً ‏:‏ أي عدلوا صفوفكم في الصلاة فإنكم إن استويتم فيها ‏(‏تستو قلوبكم‏)‏ لأن القلب تابع للأعضاء استقامة واعوجاجاً فإذا اختلف اختلفت ‏(‏وتماسوا‏)‏ أي تلاصقوا حتى لا يكون خلل يسع واقفاً ‏(‏تراحموا‏)‏ بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي فإنكم إذا فعلتم ذلك يعطف بعضكم على بعض والأمر للندب‏.‏

- ‏(‏طس حل عن أبي مسعود‏)‏ البدري قال الديلمي‏:‏ وفي الباب عن أنس وعليّ‏.‏

1015- ‏(‏أسد‏)‏ بمهملتين ‏(‏الأعمال‏)‏ أي من أكثرها صواباً، والسداد بفتح المهملة الصواب من القول والفعل‏.‏ وأسد الرجل بالألف جاء بالسداد، وذكر بعضهم أن الرواية عن علي أشد بمعجمة ولعله تصحيف ‏(‏ثلاثة‏)‏ أي خصال ثلاثة ‏(‏ذكر الله‏)‏ باسم من أسمائه أو صفة من صفاته وأفضله، لا إله إلا الله، كما يأتي في خبر ‏(‏على كل حال‏)‏ أي قياماً وقعوداً ورقوداً وسراً وعلانية وفي السراء والضراء وغير ذلك ‏(‏والإنصاف من نفسك‏)‏ أي معاملة غيرك بالعدل والقسط بحيث تحكم له على نفسك بما يجب له عليك ‏(‏ومواساة الأخ في المال‏)‏ أي إصلاح حال الأخ في الإسلام من مال نفسك عند اتساع الحال وكفاية مموّنك فإن مواساة الإخوان من أخلاق أهل الإيمان وهذا العدد لا مفهوم له‏.‏

- ‏(‏ابن المبارك‏)‏ في الزهد ‏(‏وهناد والحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر ‏(‏عن أبي جعفر مرسلاً‏)‏ والمواساة محبوبة مطلقاً للقريب والبعيد لكنها للأقرباء والأصدقاء آكد، وقدم الذكر لأنه أفضل الأعمال مطلقاً كما قاله الغزالي، ثم الإنصاف من النفس الذي هو الإنصاف بالعدل لأمره به في القرآن بقوله ‏{‏إن الله يأمر بالعدل والإحسان‏}‏ وقد تكون مندوبة وقد تكون واجبة كما في المضطر‏.‏

- ‏(‏حل عن علي‏)‏ أمير المؤمنين ‏(‏موقوفاً‏)‏ عليه لا مرفوعاً، وفيه إبراهيم بن ناصح عده الذهبي في الضعفاء، قال أبو نعيم متروك الحديث ومن ثم رمز لضعفه‏.‏

‏[‏ص 505‏]‏ 1016- ‏(‏أسرع الأرض خراباً‏)‏ في رواية الأرضين بالجمع ‏(‏يسراها ثم يمناها‏)‏ أي ما هو من الأقطار عن يسار الكعبة ثم ما هو عن يمينها، فاليسار الجنوب، واليمين الشمال، والمراد أن الخراب يبدو في الأقطار الجنوبية أولاً بجفاف نيل مصر ثم يتابع الخراب ويستولي على البلاد الجنوبية ثم يبدأ في الأقطار الشمالية بعد ذلك، وفي خبر ضعيف أن مبدأ ذلك كله خراب الكعبة

- ‏(‏طس حل عن جرير‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه حفص بن عمر بن الصباح الرقي، وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ وقال ابن الجوزي عن الدارقطني الصواب وقفه على جرير‏.‏

1017- ‏(‏أسرع الخير ثواباً‏)‏ أي أعجل أنواع الطاعة إثابة من الله تعالى ‏(‏البر‏)‏ بالكسر‏:‏ الاتساع في الإحسان إلى خلق الله تعالى من كل آدمي وحيوان محترم ‏(‏وصلة الرحم‏)‏ أي الأقارب وإن بعدوا ‏(‏وأسرع الشر‏)‏ أي الفساد والظلم ‏(‏عقوبة البغي وقطيعة الرحم‏)‏ لأن فاعل ذلك لما افترى باقتحام ما تطابقت على النهي عنه الكتب السماوية والإشارات الحكمية وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه أسرع إليه الوبال في الدنيا مع ما ادخر له من العقاب في العقبى والمراد بالسرعة هنا أنه تعالى يعجل ثواب ذلك وعقابه في الدنيا ولا يؤخره للآخرة بدليل الخبر المار‏:‏ اثنان يعجل الله عقوبتهما في الدنيا، وذكر هنا البغي وقطيعة الرحم، وفي حديث آخر‏:‏ البغي واليمين الفاجرة، وفي آخر‏:‏ البغي وعقوق الوالدين، فدل على عدم الانحصار في عدد، وإنما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله وبما هو ملتبس به أو يريد العزم عليه فلذلك اختلفت الأجوبة‏.‏

- ‏(‏ت ه‏)‏ وكذا أبو يعلى ‏(‏عن عائشة‏)‏ رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه المنذري وغيره‏.‏

1018- ‏(‏أسرع الدعاء إجابة دعاء الغائب لغائب‏)‏ أي في غيبة المدعو له ومن وراء معرفته ومعرفة الناس له وذلك أبعده من الرياء والأغراض الفاسدة المنقصة للأجر فتوافقه الملائكة أو تؤمن عليه ولأنه تعالى يعينه في دعائه لما ورد أنه تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه والمراد الغائب عن المجلس ولو بالبلد بل بالغ البعض فجعل الحاضر فيه وهو لا يسمع كالغائب‏.‏

- ‏(‏خد د‏)‏ في الصلاة‏.‏ وكذا الترمذي خلافاً لما يوهمه اقتصاره على أبي داود، قال في الأذكار‏:‏ وقد ضعفه الترمذي ‏(‏طب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه فقد قال المنذري‏:‏ رواه أبو داود والترمذي كلاهما من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف‏.‏ وقال العلامة المناوي‏:‏ فيه عبد الرحمن ابن زياد الأقريقي ضعيف، وقال الذهبي في الضعفاء، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد‏:‏ نحن لا نروي عنه شيئاً‏.‏

1019-‏(‏أسرعوا‏)‏ إسراعاً خفيفاً بين المشي المعتاد والخبب الذي هو العدو، لأن ما فوق ذلك يؤدي إلى انقطاع الضعفاء أو مشقة الحامل أو انتشار أكفان الميت ونحو ذلك فيكره ‏(‏بالجنازة‏)‏ أي بحمل الميت بنعشه إلى المصلى ثم إلى القبر، والأمر للندب اتفاقاً، ولا عبرة بمن شذ، نعم إن خيف التغير لولا الإسراع وجب، أو التغير بالإسراع وجب التأني ‏(‏فإن تك‏)‏ أي الجثة المحمولة وأصله تكون سكنت نونه للجازم ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون تخفيفاً لكثرة دور ذلك في الكلام فصار تك ‏(‏صالحة‏)‏ بنصبه خبر كان ‏(‏فخير‏)‏ أي فهو خير أو فلها ‏[‏ص 506‏]‏ خير أو فهناك خير ‏(‏تقدمونها إليه‏)‏ أي إلى الخير باعتبار الثواب‏:‏ أي تقدمونها إلى جزاء عملها الصالح والإكرام الحاصل لها في القبر، وفي رواية إليها، قال ابن مالك‏:‏ القياس إليه لكن المذكور يجوز تأنيثه إذا أول بمؤنث كتأويل الخير بالرحمة أو بالحسنى أو بالبشرى ‏(‏وإن تك سوى ذلك‏)‏ أي غير صالحة ‏(‏فشر‏)‏ أي فهو شر أو هو مبتدأ وصح الابتداء به مع كونه نكرة لاعتماده على صفة مقدرة أي شر عظيم‏.‏ وكذا يقال فيما سبق، وقوله ‏(‏تضعونه‏)‏ والضمير للميت‏:‏ أي تستريحون منه لبعده من الرحمة‏.‏ فلا حظ لكم في مصاحبته ‏(‏عن رقابكم‏)‏ أي أكتافكم، قال الطيبي‏:‏ الجنازة بالكسر‏:‏ الميت، وبالفتح السرير، جعل الجنازة عين الميت ووصفها بأعماله الصالحة ثم عبر عن الأعمال الصالحة بالخير وجعل الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى ذلك الخير فكنى بالجنازة عن العمل الصالح مبالغة في كمال هذا المعنى كما في قوله‏:‏

ما درى نعشه ولا حاملوه * ما على النعش من عقاب ورد

ولما لاحظ في جانب العمل الصالح هذا قابل قرنيتها بوضع الشر عن الرقاب، ومعنى الحديث ينظر إلى قوله في الحديث الآخر مستريح أو مستراح منه‏:‏ أي مستريح إلى رحمة الله‏.‏ أو تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب‏.‏ وفيه ترك صحبة أهل البطالة وغير الصلحاء وأن حمل الجنازة مختص بالرجال لكونه أتى فيه بضمير المذكر لكنه وإن كان الحكم متفقاً عليه غير حاسم، ففي هذا قد يدعى أنه خرج مخرج الغالب‏.‏

- ‏(‏حم ق هد عن أبي هريرة‏)‏

1020- ‏(‏أست السماوات السبع‏)‏ أي بنيت ‏(‏والأرضون السبع على قل هو الله أحد‏)‏ أي لم تخلق إلا لتدل على توحيد الحق ومعرفة صفاته، ومن أين لأحد من البشر أن يتخذ على مثالها أو ينسج على منوالها، وقيل المراد أن التوحيد أصل لكل شيء في عالم الغيب والشهادة ‏{‏لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا‏}‏ ولولا الوحدانية لما تكونت السماوات والأرض على هذا الوجه المحكم المتقن، ولكانت فاسدة كبناء بغير أساس‏.‏

قال العماد بن كثير في البداية والنهاية حكى ابن حزم وابن الجوزي وغير واحد الإجماع على أن السماوات كرية مستديرة واستدل عليه بآية ‏{‏وكل في فلك يسبحون‏}‏ قال الحسن يدورون‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ في فلكه مثل فلكة المغزل‏.‏ قالوا ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق، قال أمية بن أبي الصلت‏:‏

والشمس تبدو كل آخر ليلة * حمراء يصبح لونها يتوقد

وقال ابن حجر‏:‏ حكى الإجماع على أن السماوات مستديرة جمع وأقاموا الأدلة وخالف في ذلك فرق يسيرة من أهل الجدل‏.‏

زعم التاج الفاكهي أن الأرض أفضل من السماء لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها، قال النووي‏:‏ والجمهور على أن السماء أفضل اهـ‏.‏ وإليه ذهب الإمام الرازي وأيده بما منه أنه تعالى زينها بسبعة أشياء‏:‏ النجوم، والشمس والقمر، والعرش، والكرسي، واللوح، والقلم، وسماها سقفاً محفوظاً، وسبعاً طباقاً، وسبعاً شداداً، وذكر مبدأها وغاية أمرها، واستقصى استقصاء شديداً في كيفية حدوثها وبنائها، وجعلها قبلة الدعاء، فالأيدي ترفع اليها، والوجوه تنصب نحوها، وهي محل الصفاء والطهارة والعصمة والعباد المكرمين، وهي مؤثرة والأرضين متأثرة، والمؤثر أشرف من القابل للتأثير ومن ثم قدم ذكرها في أكثر الآيات قال ولونها أخضر فهو أوفق الألوان للبصر ومما يقويه كما قاله الأطباء لذلك أمر من به وجع العين أن ينظر إلى الورقة الخضراء وهي مستديرة والاستدارة أفضل الأشكال ‏.‏

قال ابن عربي‏:‏ السماوات ساكنة لا حراك فيها جعلها ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ولهذا سماها السقف المرفوع إلا أنه في كل سماء فلك وذلك الفلك هو الذي يدور له الحركة مع ثبوت السماء والكواكب تسبح في أفلاكها لكل صورة كوكب فلك فعدد الأفلاك بعدد الكواكب وأجرام السماوات أجرام شفافة وهي مسكن الملائكة والأفلاك لولا سباحات الكواكب ما ظهرت ولا تكونت‏.‏

هي في السماوات كالطرق في الأرض حدثت بحدوث المواشي فيها ولولا المواشي ما ظهر طريق فهي أرض من حيث ذاتها ‏[‏ص 507‏]‏ طريق من حيث المواشي فيها فكذا وجود الأفلاك تظهرها سباحات الكواكب ‏(‏تتمة‏)‏ قال ابن حجر‏:‏ أخرج الدارمي عن ابن عباس أن أفضل السماوات التي فيها العرش وسيد الأرضين التي نحن فيها‏.‏

- ‏(‏تمام‏)‏ في فوائده ‏(‏عن أنس ابن مالك‏)‏ وفيه موسى بن محمد الدمياطي البلعاري، قال في الميزان‏:‏ كذبه أبو زرعة وأبو حاتم قال الدارقطني وغيره‏:‏ متروك‏.‏ ثم أورد له أخبار هذا منها، ومن ثم رمز لضعفه‏.‏

1021- ‏(‏أسعد الناس‏)‏ أي أحظاهم ‏(‏بشفاعتي‏)‏ من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله كأن المشقوع له كان فرداً فجعله الشفيع شفعاً بضم نفسه إليه، والشفاعة الضم إلى آخره معاوناً له وأكثر ما يستعمل في انضمام الأعلى إلى الأدنى ‏(‏يوم القيامة‏)‏ يوم الجزاء الأعظم ‏(‏من قال لا إله إلا الله‏)‏ أي مع محمد رسول الله فجعل الجزاء من كلمة الشهادة شعاراً لمجموعها فالمراد الكلمة بتمامها كما تقول قرأت ‏{‏آلم ذلك الكتاب‏}‏ أي السورة بتمامها، والمراد من قال ذلك من إنس وجن وملك، ولا ينافيه التقيد بالناس لأنه مفهوم لقب ولا حجة فيه عند الجمهور ‏(‏خالصاً‏)‏ عن شوب شرك أو نفاق، فالمراد بالقول النفساني لا الكلامي فقط، أو ذكر تغليباً إذ الغالب أن من صدق بالقلب قال باللسان ‏(‏مخلصاً من قلبه‏)‏ أو نفسه، هكذا هو على الشك عند البخاري، وقوله مخلصاً تأكيد لخالصاً فالمراد الإخلاص المؤكد البالغ غايته ويدل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته التأكيد كما في ‏{‏فإنه آثم قلبه‏}‏ قال في الكشاف‏:‏ لمن كان آثم مقترناً بالقلب أسند إليه لأن إسناده الفعل إلى الجارحة التي يعمل فيها أبلغ، ألا تراك إذا أردت التأكيد تقول أبصرته بعيني وسمعته بأذني، وقوله من قلبه متعلق بمخلصاً أو يقال، والأولى كما قاله الكرماني الثاني، ثم إن تعلق يقال فالظرف لغو وإلا فمستقر إذ تقديره ناشئاً عن قلبه‏.‏ قال البيضاوي‏.‏ وأسعد بمعنى سعيد إذ لا يسعد بشفاعته من ليس من أهل التوحيد، أو المراد بمن قال من لا عمل له يستحق به الرحمة ويستوجب به الخلاص من النار لأن احتياجه للشفاعة أكثر والشفاعة بها أوفر، قال الكرماني‏:‏ أفعل بمعنى فعيل يعني سعيد الناس كقولهم‏:‏ الناقص والأشج أعدلا بني مروان أو هو بمعناه الحقيقي المشهور، والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه الرتبة، وقال ابن حجر‏:‏ أراد بالشفاعة بعض أنواعها وهي إخراج من بقلبه مثقال ذرة من إيمان أما العظمى فأسعد الناس بها السابقون إلى الجنة وهم من يدخل بغير حساب ثم الذين يلونهم، وأشار بأسعد إلى اختلاف مراتبهم في السبق فهي على بابها لا بمعنى سعيد‏.‏ والأولى أن يقال كل أحد يحصل له سعادة بسبب شفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لاراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كأبي طالب ويشفع في قوم من المؤمنين بالخروج من النار بعد دخولها، وفي بعضهم بعدم الدخول بعد استحقاقه، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات، فاستبان الإشراك في السعادة بالشفاعة فإن أسعدهم بها المؤمن الخالص المخلص‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في كتاب الإيمان ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ قلت يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، قال لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك‏:‏ أي أقدم منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، ثم ذكره‏.‏

1022- ‏(‏أسعد الناس‏)‏ أي من أعظمهم سعادة ‏(‏يوم القيامة‏)‏ بعد الأنبياء والخلفاء الأربعة ‏(‏العباس‏)‏ كيف لا وهو أصل العز والشرف ورأس الدين والحسب وأقرب الناس نسباً من المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمسهم به رحماً وأوصلهم به نسباً وأدناهم من قرابة والآخذ له البيعة على أهل العقبة ليلتها والثابت معه بحنين إذ ولت المهاجرة والأنصار الأدبار‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

‏[‏ص 508‏]‏ 1023- ‏(‏أسفر بصلاة الصبح‏)‏ أي أخرها إلى الإسفار أي الإضاءة ‏(‏حتى يرى القوم مواقع نبلهم‏)‏ أي مواضع سهامهم إذا رموا بها فالباء للتعدية عند الحنفية وجعلها الشافعية للملابسة، والمعنى ادخلوا في وقت الإضاءة متلبسين بصلاة الصبح بأن تمد، يقال أسفر إذا دخل في ابيضاض النهار كما يقال أسحر إذا دخل في السحر، ذكره في المغرب وفيه تقرير آخر يجيء فيما بعده‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏عن رافع بن خديج‏)‏ الحارثي شهد أحداً ومات سنة أربع وسبعين عن ست وثمانين سنة، ورواه الطبراني لكنه قال‏:‏ نوروا، وهو من رواية هرمز بن عبد الرحمن عن رافع بن خديج وقد ذكرهما ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً، ولعل المصنف اطلع على من لهما حيث رمز لحسنه‏.‏

1024- ‏(‏أسفروا‏)‏ بهمزة قطع مفتوحة وفاء مكسورة ‏(‏بالفجر‏)‏ أي بصلاته ‏(‏فإنه أعظم للأجر‏)‏ أي أخرجوها إلى تحقق طلوع الفجر الثاني وإضاءته من سفر تبين وانكشف، أو أسفروا بالخروج منها بأن تطيلوا القراءة حتى تخرجوا منها مسفرين، كذا قرره الشافعية مجيبين عن تمسك الحنفية به في ذهابهم إلى ندب التأخير إلى الإضاءة‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وفي التأويل ينظر لقوله في حديث الطبراني بسند ضعيف نوروا بصلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع سبلهم من الإسفار لكن يعارضه حديث الشيخين أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس، فأخذ الشافعية بذلك لصحته، وقول الطحاوي حديث الإسفار ناسخ لحديث الغلس‏:‏ وهمه الحازمي وغيره بل الأمر بالعكس لخبر أبي داود‏:‏ أنه صلى الصبح فأسفر ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى فارق الدنيا لم يعد إلى أن يسفر‏.‏ رواته كلهم ثقات، وخبر الإسفار مختلف في إسناده ومتنه كما في خلافيات البيهقي‏.‏

- ‏(‏ت ن حب عن رافع‏)‏ بن خديج واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح، فمن نقل عنه تحسينه فقط كالمصنف في الأصل لم يصب، غير أنك قد علمت توهين البيهقي له، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا ذينك وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الأربعة جميعاً وذكر أن هذا الحديث متواتر وعزاه ابن حجر في الفتح إلى الأربعة وقال صححه غير واحد‏.‏

1025- ‏(‏أسلم‏)‏ بفتح الهمزة وكسر اللام ‏(‏ثم قاتل‏)‏ قاله لرجل جاء مقنعاً بالحديد يريد قتال الكفار وهو كافر فأسلم فقاتل فقتل فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم‏:‏ عمل قليلاً وأجر كثيراً، وسيجيء تعليله في خبر آخر بأنه لا يستعين بالمشركين‏.‏

- ‏(‏خ عن البراء‏)‏ بن عازب

1026 - ‏(‏أسلم‏)‏ بضبط ما قبله ‏(‏وإن كنت كارهاً‏)‏ قاله لرجل وقال إني أجدني كارهاً للإسلام

- ‏(‏حم غ والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك، قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح اهـ‏.‏ رمز المصنف لحسنه‏.‏

1027- ‏(‏أسلم‏)‏ بفتح الهمزة واللام‏:‏ قبيلة من خزاعة، وهو مبتدأ والخبر قوله ‏(‏سالمها الله‏)‏ وفي رواية‏:‏ سلمها الله‏:‏ أي صالحها من المسالمة وهي ترك الحرب أو معنى سلمها ‏(‏وغفار‏)‏ بكسر المعجمة والتخفيف‏:‏ قبيلة من كنانة، وهو مبتدأ والخبر قوله ‏(‏غفر الله لها‏)‏ خبر أراد به الدعاء أو هو خبر على بابه، وخصها بالدعاء لأن غفاراً أسلموا ‏[‏ص 509‏]‏ قديماً، وأسلم‏:‏ سالموه عليه الصلاة والسلام ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف ‏(‏والله ما أنا قلته‏)‏ أي ما قلت ما ذكر من مناقب هاتين القبيلتين ‏(‏ولكن الله قاله‏)‏ وأمرني بتبليغه إليكم فاعرفوا إليهم حقهم وأنزلوا الناس منازلهم‏.‏

- ‏(‏حم طب ك عن سلمة بن الأكوع م عن أبي هريرة‏)‏ وفيه أنه ينبغي الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقال لأحمد أحمد الله عافيتك، ولعليّ علاك الله، وهو من جناس الاشتقاق المستعذب المستحسن عندهم ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر، ومنه قوله تعالى ‏{‏وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين‏}‏ قال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني خاصة‏:‏ وفيه عندهما عمر بن راشد اليماني وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

1028- ‏(‏أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وتجيب‏)‏ بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وسكون التحتية وموحدة ‏(‏أجابوا الله‏)‏ بانقيادهم إلى دين الإسلام اختياراً‏.‏ وتمامه عند مخرجه الطبراني فقال له - أي لرواية ابن سندر الآتي - يا أبا الأسود أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر تجيب، فقال نعم، قال ابن حجر‏:‏ وهذه قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل، فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولاً فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك، وأسلم يفتح الهمزة واللام قبيلة منسوبة إلى أسلم بن أفضى بفتح الهمزة وسكون الفاء فمهملة مقصور ابن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ماري بن الأزد بطن من قحطان ومنهم خلق كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والشعراء وأما أسلم بن الحاف بن قضاعة وأسلم بن القيانة وأسلم بن بدول فالثلاثة بضم اللام وليسوا بمرادين هنا، وغفار بكسر المعجمة وخفة الفاء وهو بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناف ومزينة - بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية فنون - وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة، وجهينة بالتصغير هم بنو جهينة بن زيد بن ليث قبيلة من قضاعة ينسب إليها خلق كثير من الصحابة والتابعين، وتجيب بضم التاء وكسر الجيم فمثناة فموحدة هم ولد عدي وسعد ابن أشرس بن شيب بن السكن بطن من مذحج وهم خلق كثير، وعامتهم بمضر منهم معاوية بن خديج والحاصل أن هذه الخمسة أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع قبائل من مضر، أما مزينة وغفار وأشجع فاتفاقاً، وأما أسلم وجهينة فعلى الأرجح وعصية بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغراً ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخففتين امرؤ القيس وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم ذلك لأنهم عاهدوا فغدروا كما هو مذكور في غزوة بئر معونة‏.‏ وحكى ابن السني أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحو عنهم ذلك العار، وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل، والمراد من آمن منهم، والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه، قيل خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم، وهذا إن سلم يحمل على الغالب، وفي هذا الحديث وما قبله من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لعذوبته وانسجامه وهو من الاتفاقيات اللطيفة‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد الرحمن بن سندر‏)‏ أي الأسود الرومي أبي روح زنباع الجذامي، قال الهيتمي‏:‏ إسناده حسن اهـ ومن ثم رمز المصنف لحسنه‏.‏

1029- ‏(‏أسلمت‏)‏ أي دخلت في الإسلام ‏(‏على ما‏)‏ أي مع أو مستعلياً على ما ‏(‏أسفلت‏)‏ وفي رواية بدله على ما سلف لك، وفي رواية للبخاري على ما سلف أي على وجدان ثواب ما قدمته ‏(‏من خير‏)‏ أي على قبوله فتثاب عليه ويضاف لما تعمله في الإسلام فضلاً منه تعالى وإن كان الكافر لا يصح عمله لفقد شرط النية أو المعنى أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادىء عنوان الغايات أو أن فعل ذلك أورثك طباعاً جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام ‏[‏ص 510‏]‏ لما حصل لك من التدرب على فعل القرب فلم تحتج لمجاهدة جديدة بعد الإسلام والفضل للمتقدم ومن أطلق عدم إثابة الكافر فكلامه منزل على ما إذا لم يسلم وعلى الإثابة في الآخرة بل قد يثاب وإن لم يسلم لكن في الدنيا خاصة لخبر مسلم‏:‏ إن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة‏.‏

- ‏(‏حم ق عن حكيم بن حزام‏)‏ قال قلت يا رسول الله صلى الله عليك وآلك وسلم أرأيت أشياء كنت بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل لي فيها من أجر‏؟‏ فذكره، وبالوقوف على السبب يعرف أنه لا ظهور لزعم البعض أن معناه أسلمت ببركة ذلك الخير السابق‏.‏

1030 -‏(‏أسلمت عبد القيس‏)‏ قبيلة مشهورة عظيمة من قبائل العرب ومضر في مقابلتهم ذكره القاضي ‏(‏طوعاً‏)‏ أي دخلوا في الإسلام غير مكرهين ‏(‏وأسلم الناس‏)‏ أي أكثرهم ‏(‏كرهاً‏)‏ أي مكرهين خوفاً من السيف ‏(‏فبارك الله في عبد القيس‏)‏ خبر بمعنى الدعاء أو هو على بابه وقد ظهر فلاحهم بعد ذلك وصلاحهم ببركة دعائه، وفي خبر للطبراني أيضاً أسلمت الملائكة طوعاً وأسلمت عبد القيس طوعاً، وفيه أنه يصح إكراه الكافر على الإسلام، ومحله في الحربي لا الذمي‏.‏

- ‏(‏طب عن نافع العبدي‏)‏ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قدم وفد عبد القيس ليأتين ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام فذكره، فقدم وفدهم أربعون رجلاً فأضافهم وأكرمهم‏.‏ رمز لضعفه‏.‏

1031 - ‏(‏اسم الله الأعظم‏)‏ قيل الأعظم بمعنى العظيم، وليس أفعل للتفضيل لأن كل اسم من أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض، وقيل هو للتفضيل لأن كل اسم فيه أكثر تعطيماً لله فهو أعظم فالله أعظم من الرب فإنه لاشريك له في تسميته به لا بالإضافة ولا بدونها وأما الرب فيضاف للمخلوق ‏(‏الذي إذا دعى به أجاب‏)‏ بمعنى أنه يعطى عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره فإنه وإن كان لا يرد لكونه بين إحدى ثلاث‏:‏ إعطاء المسؤول في الدنيا أو تأخيره للآخرة أو التعويض بالأحسن ‏(‏في ثلاث سور من القرآن‏:‏ في البقرة وآل عمران وطه‏)‏ قال أبو شامة‏:‏ فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي‏:‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي آل عمران‏:‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي طه‏:‏ وعنت الوجوه للحي القيوم، كذا في الفردوس، وقد اختلف في الاسم الأعظم على نحو أربعين قولاً أفردها المصنف وغيره بالتأليف‏:‏ قال ابن حجر‏:‏ وأرجحها من حيث السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وفي الحديث رد علي أبي الحسين بن سمعون في زعمه أن الاسم الأعظم سبعة وثلاثون حرفاً من حروف المعجم نقله عنه في الملل والنحل‏.‏

- ‏(‏ه ك طب عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي وفيه هشام بن عمار مختلف فيه كما سبق‏.‏

1032- ‏(‏اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين‏)‏ وهما ‏(‏وإلهكم إله واحد‏)‏ خطاب عام أي المستحق منكم للعبادة واحد لا شريك له فصح أن يعبد ويسمى إلهاً ‏(‏لا إله إلا هو‏)‏ تقرير للوحدانية ‏(‏الرحمن الرحيم‏)‏ كالحجة عليها فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره ‏(‏وفاتحة‏)‏ سورة ‏(‏آل عمران الم الله لا إله إلا هو الحي‏)‏ الحياة الحقيقية التي لا موت معها ‏(‏القيوم‏)‏ الذي به قيام كل شيء وهو قائم على كل شيء‏.‏ قال ابن عربي‏:‏ وقد جعل أهل الله هو من ذكر خصوص الخصوص لأنها أعرف من اسم الله في أصل الوضع لأنها لا تدل إلا على الذات المضمرة من غير اشتقاق، وإنما غلبوها على سائر المضمرات والإشارات نحو أنت وذا ‏[‏ص 511‏]‏ لكونها ضمير غيب فرأوا أن الحق لا يعلم فهو غيب مطلق من تعلق العلم بحقيقته فقالوا حقيقة هو ترجع إلى هويته التي لا يعلمها إلا هو، قال أعني ابن عربي، والرحمن الرحيم اسم مركب كبعلبك وقال حجة الإسلام في الجواهر‏:‏ وهذا الخبر يشهد بأن الاسم الأعظم هو الحي القيوم وتحته سر مكنون اهـ وقال ابن عربي‏:‏ الاسم الأعظم في آية الكرسي وأول آية آل عمران وجاء في خبر آخر أن أعظم آية في القرآن الله لا إله إلا هو قال القاضي‏:‏ وذلك لأن شرف الآيات لشرف مدلولاتها ورفعة قدرها واشتمالها على الفوائد العظيمة والعوائد الخطيرة، ثم بحسن النظم ومزيد البيان والفصاحة، ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله تعالى وصفاته وأشرف العلوم وأعلامها قدراً وأرفعها مناراً وأبقاها ذخراً هو العلم الإلهي الباحث عن ذاته تقدس وصفاته الذاتية السلبية والثبوتية وما يدل عليها من صنائعه وأفعاله، وأن رجوع الخلق إليه وحسابهم عليه لا مردّ لحكمه ولا مانع من عذابه، وهذه الآية باعتبار معناها وما يستفاد من مفهومها وفحواها اشتمل على جملة ذلك مفصلاً أو مجملاً على طريقة التقدير والتحقيق لا على منهج الدعوى ومحض التقليد‏.‏ ومن حيث أن اللفظ وقع في مجاز البلاغة وحسن النظم والترتيب موقعاً تنمحق دونه بلاغة كل بليغ وتتشعشع في معارضته فصاحة كل فصيح وفي الاشتغال بذلك خروج عن المقصود، فمن أراد فليراجع كتب التفسير‏.‏ اهـ‏.‏ وقال الإمام الرازي في لوامع البينات منهم من قال الاسم الأعظم الحي القيوم، ويدل عليه وجهان‏:‏ أحدهما أن أبيّ بن كعب طلب من المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعلمه الاسم الأعظم فقال هو في قوله تعالى ‏{‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏ وفي ‏{‏الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏ قالوا وليس ذلك في قولنا‏:‏ الله لا إله إلا هو، لأن هذه الكلمة موجودة في آيات كثيرة فلما خص الاسم الأعظم بهاتين الآيتين علمنا أنه الحي القيوم‏.‏ الثاني‏:‏ أن الحي يدل على كونه سبحانه عالماً متكلماً قادراً سميعاً بصيراً، والقيوم يدل على أنه قائم بذاته مقوم لغيره، ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد ففي هذين الاسمين من صفات العظمة والكبرياء والإلهية ما ليس في غيرهما، وذلك يقتضي أنهما أعظم الأسماء، وقال النابلسي في كفاية ذوي الألباب‏:‏ إن الحيّ القيوم دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق، وأن بني إسرائيل سألوا موسى الكليم عن الاسم الأعظم فأوحى الله إليه أن مرهم أن يدعوني بآهيا شراهيا ومعناه الحي القيوم‏.‏ قال‏:‏ وكان عيسى عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يحيي الموتى‏:‏ قال يا حي يا قيوم‏.‏

- ‏(‏حم د ت ه عن أسماء‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏بنت يزيد‏)‏ بن السكن أم سلمة الأنصارية صحابية جليلة تأخرت وفاتها‏.‏ حسنة الترمذي ورمز المصنف لصحته مع أن فيه كما قال المناوي وغيره عبد الله بن أبي الزناد القداح فيه لين وقال أبو داود أحاديثه مناكير وضعفه ابن معين‏.‏

1033- ‏(‏اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب في هذه الآية‏)‏ من آل عمران هكذا هو في متن حديث الطبراني عن الحبر ‏(‏قل اللهم مالك الملك‏)‏ أي الذي لا يملك منه أحد شيئاً غيره ‏(‏الآية‏)‏ بالنصب على إضمار اقرأ‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ وهو الوجه الظاهر لتبادره، ويجوز رفعه بتقدير مبتدأ أو خبر‏:‏ أي المتلو وهو على تقدير إلى آخر الآية إذ العادة عند الفصحاء أنه إذا كانت الأية أو الحديث أو البيت محفوظاً معروفاً يذكر أوله ويقال الآية أو الحديث أو البيت اختصاراً أي التي هي مستهلها أو مبدؤها فعلى العاقل المتأمل فيها إسلام الملك كله الذي منه شرف الدنيا لله ولذلك لم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم يتظاهر بالملك ولا يأخذ مأخذه وتبعه خلفاؤه فلبسوا الخلقات والمرقعات واقتصروا على شظف العيش‏.‏ قال الطيبي‏:‏ والفرق بين قوله‏:‏ إذا سئل به أعطى وبين قوله‏:‏ إذا دعى به أجاب‏:‏ أن الثاني أبلغ، فإن إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي ووجاهته عند المجيب فتتضمن أيضاً قضاء حاجته بخلاف السؤال فقد يكون مذموماً ولذلك ذم السائل في كثير من الأحاديث ومدح المتعفف، على أن في الحديث دلالة على فضل الدعاء على ‏[‏ص 512‏]‏ السؤال‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه جسر بن فرقد وهو ضعيف، وأقول فيه أيضأ محمد بن زكريا الغلابي أورده الذهبي في الضعفاء أيضاً وقال وثقه ابن معين، وقال أحمد ليس بقوي، والنسائي والطبراني والدارقطني‏:‏ ضعيف، وأبو الجوزاء قال البخاري فيه نظر، فتعصيب الهيتمي الجناية برأس جسر وحده لا يرتضى‏.‏

1034- ‏(‏اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى‏:‏ دعوة يونس بن متى‏)‏ ابن جرير - الطبري الإمام المجتهد‏.‏

- ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص‏.‏

1035- ‏(‏إسماع الأصم‏)‏ أي إسماع الكلام للأصم ‏(‏صدقة‏)‏ عن المسمع أي يثاب على الصدقة

- ‏(‏خط في‏)‏ كتاب ‏(‏الجامع‏)‏ في آداب الشيخ والسامع ‏(‏عن سهل بن سعد‏)‏ رمز المصنف لضعفه‏.‏

1036- ‏(‏أسمح أمتي جعفر‏)‏ أي من أكثرهم جوداً وأكرمهم نفساً جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين وكان يسمى بحر الجود فعوتب في ذلك فقال إن الله عودني بعادة وعودت الناس عادة فأخشى إن قطعتها قطعت عني، وأخباره في الجود عجيبة‏؟‏ كيف لا وقد جاهد بنفسه في الله حتى قتل شهيداً يوم مؤتة والظاهر أنه المراد من أسمح، فقد جاد الصديق بجميع ماله لله لكن جعفر زاد عليه بجوده بالحياة‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ أسمح من أسمحت فروته أي نفسه إذا سهلت وانقادت‏.‏ وعرّف بعضهم السماح أخذاً من كلام الغزالي بأنه بذل ما لا يجب بذله تفضلاً أي بلا توقع مجازاة، والمسامحة بأنها ترك ما لا يجب تركه تنزيها أي بلا توقع مجازاة كحط البائع بعض الثمن ‏(‏المحاملي في أماليه وابن عساكر عن أبي هريرة‏)‏ رمز لضعفه ولم يقف له الديلمي على سند فبيض له‏.‏

1037 - ‏(‏أسمح‏)‏ أمر من السماح ‏(‏يسمح لك‏)‏ بالبناء للمفعول‏.‏

والفاعل الله‏:‏ أي عامل الخلق الذين هم عيال الله وعبيده بالمسامحة والمساهلة يعاملك سيدهم بمثله في الدنيا والآخرة‏.‏ وفي الإنجيل‏:‏ إن غفرتم للناس خطاياهم غفر لكم أبوكم السماوي خطاياكم وإن لم تغفروا للناس خطاياهم لم يغفر لكم وفيه لا تحبوا الحكم على أحد لئلا يحكم عليكم، اغفروا يغفر لكم، أعطوا تعطوا، وقال بعض الحكماء‏:‏ أحسن إن أحببت أن يحسن إليك، ومن قل وفاؤه كثر أعداؤه‏.‏وهذا من الإحسان المأمور به في القرآن المتعلق بالمعاملات، وهو حث على المساهلة في المعاملة وحسن الانقياد، وهو من سخاوة الطبع وحقارة الدنيا في القلب، فمن لم يجده من طبعه فليتخلق به فعسى أن يسمح له الحق بما قصر فيه من طاعته وعسر عليه في الانقياد إليه في معاملته إذا أوقفه بين يديه لمحاسبته‏.‏

- ‏(‏طب هب عن ابن عباس‏)‏ رمز المصنف لحسنه، وقال الحافظ العراقي‏:‏ رجاله ثقات، وقال تلميذه الهيتمي‏:‏ رواه أحمد عن شيخه مهدي بن جعفر الرملي وقد وثقه غير واحد وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر‏:‏ فيه مهدي وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح اهـ فاقتصار المصنف على رمزه لحسنه تقصير وإيهام‏.‏

1038-‏(‏اسمحوا يسمح لكم‏)‏ أي يسمح الله لكم في الدنيا بالإنعام وفي العقبى بعدم المناقشة في الحساب وغير ذلك، ولا يخفى كمال السماح على ذي لب، فجمع بهذا اللفظ الموجز المضبوط بضابط العقل الذي أقامه الحق حجة على الخلق ما لا يكاد ‏[‏ص 513‏]‏ يحصى من المصالح والمطالب العالية وما ذكر من أن الرواية‏:‏ يسمح لكم‏:‏ باللام هو ما في نسخ لا تكاد تحصى، ثم رأيت المصنف كتب بخطه في نسخته من هذا الكتاب بكم بباء موحدة وضبطها

- ‏(‏عب عن عطاء مرسلاً‏)‏ عطاء في التابعين المرسلين جماعة فكان ينبغي تمييزه‏.‏

1039- ‏(‏اسمعوا‏)‏ أي استمعوا كلام من تجب طاعته من ولاة أموركم وجوباً ‏(‏وأطيعوا‏)‏ أمرهم وجوباً فيما لا معصية فيه لأنهم نواب الشرع ‏(‏فإن قلت‏)‏ ذكر الأمر بالطاعة كاف، فما فائدة الأمر بالسمع معه ‏(‏قلت‏)‏ فائدته وجوب استماع كلامه ليتمكن بالإصغاء إليه من طاعة أمره على الوجه الأكمل، ولذلك أمر بالإنصات عند تلاوة القرآن وفي خطبة الجمعة ونهى عن رفع الصوت على صوت صاحب الشرع ليفهم كلامه ويتدبر ما في طيه ويطاع أمره جملة وتفصيلاً ‏(‏وإن استعمل‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏عليكم عبد‏)‏ أعرب بالرفع نائب الفاعل ‏(‏حبشي‏)‏ أي وإن استعمله الإمام الأعظم أميراً إمارة خاصة أو عامة ليس من شرطها الحرية، وإرادة العتيق فسماه عبداً باعتبار ما كان، والمراد اسمعوا ولو لحبشي سواء كان ذلك الحبشي مفتوناً أو مبتدعاً كما اقتضاه تبويب البخاري عليه بباب إمامة المفتون والمبتدع، ثم زاد في المبالغة بوصف العبد بقوله ‏(‏كأن رأسه زبيبة‏)‏ بزاي مفتوحة حبة عنب سوداء‏:‏ حالاً أو صفة لعبد‏:‏ أي مشبهاً رأسه بالزبيبة في السواد والحقارة وقباحة الصورة، أو في الصغر، يعني وإن كان صغير الجثة حتى كأن رأسه زبيبة، وقد يضرب المثل بما لا يكاد يوجد تحقيراً لشأن الممثل، والمراد وشعر رأسه مقطقط إشارة إلى بشاعة صورته، وأجمعوا على عدم صحة تولية العبد الإمامة لكن لو تغلب عبد بالشوكة وجبت طاعته خوف الفتنة‏.‏ وفي رواية بدل كان إلخ مجدع الأطراف‏:‏ أي مقطوع الأعضاء، والتشديد للتنكير، ذكره ابن الأثير‏.‏ وهذا حث على السمع والطاعة للإمام ولو جائراً‏.‏ وذلك لما يترتب عليه من اجتماع الكلمة وعز الإسلام وقمع العدو وإقامة الحدود وغير ذلك، وفيه التسوية في وجوب الطاعة بين ما يشق على النفس وغيره، وقد بين ذلك في رواية بقوله فيما أحب وكره‏.‏

ووجوب الاستماع لكل من تجب طاعته كالزوج والسيد والوالد واستدل به على أن الإمام إذا أمر بعض رعيته بالقيام ببعض الحرف والصنائع من زراعة وتجارة وعمل أنه يتعين على من عينه لذلك، وينتقل من فرض الكفاية إلى فرض العين عليه بتعيين الإمام‏.‏ قال جدنا الأعلى من جهة الأم الزين العراقي حتى قاله بعض شيوخنا في الفلاحين المفردين لزراعة البلدان أنه أمر شرعي بتقرير الإمام ذلك عليم‏.‏ نعم إن تعدى عليهم وألزموا بما لا يلزمهم من إيجار الأرض بغير رضاهم لم يجر، لكن يكونون كالعمال يعملون ويستحقون أجر المثل‏.‏

- ‏(‏حم خ‏)‏ في الصلاة وفي الأحكام ‏(‏ه عن أنس‏)‏ بن مالك، ورواه عن أنس أيضاً البخاري بلفظ‏:‏ اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة‏.‏ وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه، والأمر بخلافه فقد رواه مسلم من حديث أم حصين‏.‏

1040 - ‏(‏أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أسوأ مبتدأ، والذي‏:‏ خبره على حذف مضاف‏:‏ أي سرقة الذي يسرق‏.‏

ويجوز أن تكون السرقة جمع سارق كفاجر وفجرة‏.‏ اهـ‏.‏ قالوا وكيف يسرق منها يا رسول الله‏؟‏ قال ‏(‏لا يتم‏)‏ وفي رواية الذي لا يتم ‏(‏ركوعها ولا سجودها‏)‏ وأعاد - لا - في السجود دفعاً لتوهم الاكتفاء بالطمأنينة في أحدهما ‏(‏ولا خشوعها‏)‏ الذي هو روح الصلاة بأن لم يستحضر عظمة الله‏.‏ قال الطيبي‏:‏ جعل جنس السرقة نوعين‏:‏ متعارفاً وغير متعارف، وهو ما ينقص من الطمأنينة والخشوع ثم جعل غير المتعارف أسوأ من المتعارف، ووجه كونه أسوأ أن السارق إذا وجد مال الغير قد ينتفع به في الدنيا ويستحل صاحبه أو يحد فينجو من عذاب الآخرة، ‏[‏ص 514‏]‏ بخلاف هذا فإنه سرق حق نفسه من الثواب وأبدل منه العقاب في العقبى‏.‏ قال الحراني‏:‏ وأكثر ما يفسد صلاة العامة تهاونهم بعلم الطمأنينة والعمل بها في أركان الصلاة، وأصلها سكون على عمل لركن من ركوع أو سجود أو جلوس زمناً ما وإجماع من النفس على البقاء على تلك الحالة ليوافق بذلك المقدار من الزمان حال الداعين في آحاد تلك الأحوال من الملائكة الصافين، وفيه أن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة، وأجله في الفرض، وكذا في النفل عند الشافعي فعده ركناً، وأن الخشوع واجب، وبه قال الغزالي منهم فعده شرطاً، لكن المفتى به عندهم خلافه ‏(‏نكتة‏)‏ صلى رجل صلاة ولم يتم أركانها وقال اللهم زوجني الحور العين، فقال له أعرابي‏:‏ بئس الخاطب أنت‏:‏ أعظمت الخطبة وأسأت النقد‏.‏

- ‏(‏حم ك‏)‏ وصحح إسناده ‏(‏عن أبي قتادة‏)‏ الأنصاري أبو داود ‏(‏الطيالسي حم ع عن أبي سعيد‏)‏ الخدري، قال الهيتمي فيه علي بن زيد مختلف في الاحتجاج به‏.‏ وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وقال الذهبي في الكبائر‏:‏ إسناده صالح‏.‏ وقال المنذري‏:‏ رواه الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مغفل بإسناد جيد، لكنه قال في أوله‏:‏ أسرق الناس، وهذا الحديث أخرجه في الموطأ فكان ينبغي للمؤلف أن يضمه لهؤلاء في العزو جرياً على عادته فإن دأبه أن الحديث إذا كان فيه مالك بدأ يعترف له مقدماً على الشيخين ولفظ مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ما ترون في الشارب والسارق والزاني‏؟‏ قال‏:‏ وذلك قبل أن ينزل فيهم قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم، قال‏:‏ هن فواحش وفيهن عقوبة، وأسوأ السرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا‏:‏ وكيف يسرق من صلاته‏؟‏ قال‏:‏ لا يتم إلخ‏.‏

1041- ‏(‏أشبه ما رأيت بجبريل‏)‏ اسم سرياني معناه عبد الله ‏(‏دحية‏)‏ بفتح المهملة وكسرها‏:‏ ابن خليفة بن فروة ‏(‏الكلبي‏)‏ بفتح فسكون‏:‏ صحابي جليل مشهور أي أقرب الناس شبهاً إذا تصور بصورة إنسان هو‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ دحية رئيس الجند، وبه سمى دحية الكلبي، وكأنه من دحاه يدحوه إذا بسطه ومهده، فإن الرئيس له التمهيد والبسطة، وقلب الواو ياء فيه نظير قلبها في قنية‏.‏ قال أبو حاتم عن الأصمعي بفتح داله ولا تكسر، ولعله من تغيرات الأعلام كالحجاج على الإمالة‏.‏ إلى هنا كلامه‏.‏ وكان جبريل يأتيه على صورته بغير أجنحة وهو خلاف صورته التي خلق عليها وهو إذ ذاك جبريل‏.‏ قال تعالى ‏{‏نزل به الروح الأمين‏}‏ فالنازل بالوحي جبريل‏.‏ والصورة صورة دحية فجبريل هو جبريل والصورة غيره وإن كان الملك فيها‏.‏ ذكره الكلاباذي واحتج به الحلولية والاتحادية على زعمهم الفاسد من جهة أنه روحاني وقد خلع صورة الروحانية وظهر بمظهر البشرية فكان يظهر بصورة دحية فيعلمه النبي ملكاً ويظنه الناس بشراً، قالوا فإذا قدر على ذلك وهو مخلوق فالله أقدر على الظهور في صورة الوجود الكلي أو بعضه وأجيب بأن جبريل جسم نوراني لطيف فقبلت ذاته التشكل والانخلاع من طور إلى طور، والله منزه عن الجسمية ولوازمها وكونه يرى ولا يرى وأقرب من حبل الوريد، وبين المصلي وقبلته لا يدل لكونه ماهية، إذ القرب والبينية أمر معنوي لا حسي‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ واسمه يحيى في الطبقات ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ كذا هو بخط المصنف، فما في نسخ شهاب لا أصل له، وهو الزهري‏.‏

1042-‏(‏اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك‏)‏ أي من تسمى بذلك ودعي به وإن لم يعتقده، فإنه ‏(‏لا ملك‏)‏ في الحقيقة ‏(‏إلا الله‏)‏ وغيره وإن سمى ملكاً أو مالكاً فإنما هو بطريق التجوز، وإنما اشتد غضبه عليه لمنازعته لله في ربوبيته وألوهيته، فهو حقيق بأن يمقته عليه فيهينه غاية الهوان ويذله غاية الذل ويجعله تجت أقدام خلقه لجرأته وعدم حياته في تشبهه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له، فهو ملك الملوك وحده حاكم الحكام وحده، فهو الذي ‏[‏ص 515‏]‏ يحكم عليهم كلهم لاغيره ‏(‏خاتمة‏)‏ لما أمر الخليفة في القرن الخامس أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه ملك الملوك وخطب له بذلك أفتى بعض الفقهاء بالمنع وتبعهم العوام ورموا بالآجر الخطباء‏.‏ وأفتى القاضي أبو الطيب الشافعي والصيمري الحنفي بالجواز، إذ معناه ملك ملوك الأرض، وأفتى الماوردي بالمنع وكان من خواص أصحاب جلال الدولة فانقطع عنه فطلبه الجلال فمضى إليه على وجل شديد، فقال له أنا أتحقق أنك لو حابيت أحداً لحابيتني وما حملك على ذلك إلا الدين، فزاد بذلك محله عنده، ولم يعش جلال الدولة بعد هذا إلا أشهراً قليلة‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ قال القرطبي‏:‏ مما يجري هذا المجرى في المنع نعتهم أنفسهم بالنعوت المقتضية للتزكية‏:‏ كزكي الدين، ومحيي الدين، لكن لما كثرت قبائح المسمين بها ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئاً من أصل موضوعاتها‏.‏

- ‏(‏حم ق عن أبي هريرة الحارث عن ابن عباس‏)‏

1043- ‏(‏اشتد غضب الله على الزناة‏)‏ لتعريضهم لإفساد الحكمة الإلهية باختلاط المياه والجهل بالأنساب والزنا يفسد القلب ويفسد توحيده، وأحظى الناس به أكثرهم شركاً ، لأن عشق الصورة المحرمة نوع تعبد لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، لاسيما إذا استولى على القلب وتمكن منه، فيصير العاشق عابداً لمعشوقه، ساعياً في مرضاته، مؤثراً محابه على حب الله، والسعي في مرضاته حتى ينفق في مرضاته ما لا ينفق في رضا ربه، ويتجنب من سخطه مالا يتجنب من سخط الله، فلذلك كان بغيضاً لله، ومن ثم لم يبح في ملة من الملل‏.‏

- ‏(‏أبو سعيد الجرباذقاني‏)‏ بفتح الجيم وسكون الراء وخفة الموحدة وبعد الألف ذال معجمة مفتوحة وقاف مخففة وآخره نون‏:‏ نسبة لبلدة بين جرجان واستراباذان، وبين أصبهان والكرخ ‏(‏في جزئه‏)‏ المشهور ‏(‏وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ بن حيان ‏(‏في عواليه‏)‏ أي الأحاديث التي وقعت له بعلوه عن أقرانه ‏(‏فر‏)‏ كلهم ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك وفيه بقية، وحاله مشهور عن عباد بن كثير، فإن كان الثقفي فقد تركوه، أو الرملي فضعفوه كما سبق، وعمران القصير عن أنس قال الذهبي في الضعفاء، فقد روي عن أنس حديث الطيرة، ومن ثم رمز المصنف لضعفه‏.‏

1044- ‏(‏اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم ولداً ليس منهم يطلع على عوراتهم ويشركهم في أموالهم‏)‏ المراد أنها حملت من زنا أو نحوه فأتت بولد فنسبته لصاحب الفراش فصار ولده في الظاهر يطلع على باطن أمره ويعوله ما دام حياً ويرثه إذا مات، وإنما اشتد غضبه عليها لأن هذه الخيانة منها تعود بفساد فراش الزوج وفساد النسب الذي جعله الله بين الناس لتمام مصالحهم وعدّه من جملة نعمه عليهم‏.‏

فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فهي جديرة بغضب رب الأرباب‏.‏